
طور مهندسون كنديون نظام إنشاء مبتكرًا يُحدث نقلة نوعية في قدرة المباني الشاهقة على مقاومة الزلازل القوية، حيث لا يضمن هذا النظام بقاء الهيكل سليمًا فحسب، بل يولي أهمية قصوى لسلامة شاغليه ومحتوياته أثناء وبعد وقوع الزلزال.
إقرأ أيضا:
وقد أثبت نموذج ناطحة سحاب فانكوفر النموذجية، المكون من 30 طابقًا، والذي ابتكره باحثون متخصصون في جامعة كولومبيا البريطانية (UBC)، صمودًا استثنائيًا وكاملاً أمام أكثر من 100 محاكاة زلزالية متنوعة وشديدة، شملت زلازل طويلة الأمد وأخرى ذات قوة تدميرية عالية، وذلك وفقًا لتقرير نشره موقع “إنترستينغ إنجينيرينغ” المتخصص في الهندسة والتكنولوجيا.
وبإشراف الدكتور توني يانغ، الأستاذ المرموق في قسم الهندسة المدنية والمؤلف الرئيسي لهذه الدراسة الرائدة، قام الفريق البحثي بإجراء اختبارات مكثفة على هذا الهيكل النموذجي في المختبر الدولي المشترك لأبحاث هندسة الزلازل (ILEE) المتطور في مدينة شنغهاي الصينية.
ويُعد هذا النموذج الهندسي المبتكر من بين القلائل على مستوى العالم الذي تم تجهيزه بطاولة اهتزاز ضخمة ومتطورة قادرة على محاكاة ظروف الزلازل الحقيقية التي تتعرض لها المباني الشاهقة بدقة فائقة.
وقد تم تعريض النموذج لصدمات زلزالية تحاكي بدقة النشاط الزلزالي المتوقع وقوعه في منطقة كاسكاديا النشطة زلزاليًا والقريبة من الساحل الغربي لدولة كندا.
تصميم ذكي للصمود: المبنى “يرقص” مع قوى الزلزال
وقد أكد الدكتور يانغ، الذي يشغل أيضًا منصب رئيس مختبر الهياكل الذكية في جامعة كولومبيا البريطانية، أن النظام الإنشائي المبتكر ظل سليمًا ويعمل بكامل طاقته الوظيفية حتى بعد اجتيازه سلسلة الاختبارات الصارمة والشديدة.
وأضاف بثقة: “يمكن لمالك هذا النوع من المباني أن يطمئن تمامًا إلى أن المبنى وشاغليه وجميع محتوياته سيكونون في حماية كاملة أثناء وبعد وقوع اهتزازات زلزالية شديدة القوة.”
ويعتمد هذا النظام الإنشائي المتطور على استخدام تقنيات هندسية متقدمة تشمل أساسات متأرجحة بشكل مدروس، وأذرعًا خارجية مبتكرة، بالإضافة إلى مخمدات عالية الأداء تم تصميمها خصيصًا لامتصاص طاقة الزلازل وتبديدها بكفاءة عالية.
تسمح هذه التقنيات المتكاملة للمبنى بالاهتزاز والتأرجح بشكل متناسق مع القوى الزلزالية الهائلة بدلًا من محاولة مقاومتها بصلابة وقوة مباشرة. هذا التصميم الذكي يمتص ويبدد جزءًا كبيرًا من طاقة الزلزال، مما يقلل بشكل كبير من الأضرار الهيكلية التي قد تلحق بالمبنى مقارنة بالهياكل التقليدية الصلبة التي تواجه الزلازل بمقاومة مباشرة وعادة ما تتضرر بشدة.
بالإضافة إلى ذلك، يخفف النظام الجديد من الإجهاد الهيكلي الواقع على أجزاء المبنى المختلفة ويساهم في إطالة عمره الافتراضي بشكل ملحوظ.
وقد تم تطوير واختبار بعض العناصر الأساسية لهذا النظام المبتكر، بما في ذلك تصميم فريد من نوعه وحاصل على براءة اختراع خاص بجامعة كولومبيا البريطانية، بشكل كامل داخل الجامعة.
ونتيجة لهذه الجهود البحثية المكثفة، حتى بعد تعرض الهيكل النموذجي لاهتزازات زلزالية شديدة للغاية، لم يُظهر أي علامات تدل على وقوع أي ضرر هيكلي يُذكر، وهي نتيجة حاسمة الأهمية لضمان استمرارية المبنى في أداء وظيفته بعد وقوع الزلزال، مما يضمن ليس فقط صموده الهيكلي، بل أيضًا استمرارية استخدامه من قبل السكان.
ثورة في عالم السلامة الإنشائية ضد الزلازل
يُعد هذا المشروع البحثي الطموح الأكبر من نوعه على مستوى العالم حتى الآن، حيث نجح الفريق البحثي في اختبار أكبر هيكل تم بناؤه بقلب خرساني على طاولة اهتزاز زلزالي. ويلعب القلب الخرساني دورًا حيويًا وأساسيًا في مقاومة القوى الجانبية الهائلة التي تنشأ أثناء الزلازل.
وتوفر المحاكاة الدقيقة لسلوك هذا القلب الخرساني في سيناريوهات زلزالية واقعية بيانات حيوية وقيمة لتطوير تصاميم مستقبلية أكثر أمانًا ومرونة للمباني الشاهقة في المناطق المعرضة للزلازل.
بالإضافة إلى ذلك، يساهم هذا النظام الإنشائي المبتكر في تخفيف الضغط الهائل الواقع على القلب الخرساني وأساسات المبنى، مما يتيح إمكانية إنشاء مبانٍ شاهقة أخف وزنًا وأكثر كفاءة من حيث استخدام المواد، مع توفير مساحات داخلية أكبر قابلة للاستخدام. وهذا بدوره يجعل التصميم الجديد أكثر اقتصادية وجاذبية للمطورين العقاريين.
ويعتزم الفريق البحثي حاليًا التعاون بشكل وثيق مع شركات هندسية رائدة وشركاء محليين لتطبيق هذا الابتكار الثوري في مشاريع بناء مستقبلية في المناطق المعرضة للزلازل حول العالم. ويؤكد الفريق بثقة أن هذا النظام الجديد يمثل نقلة نوعية حقيقية نحو بناء مبانٍ شاهقة أكثر أمانًا ومرونة وقدرة على الصمود في وجه الزلازل القوية، مما يضمن سلامة الأرواح والممتلكات.