في خطوة واعدة قد تُحدث نقلة نوعية في مجال طب القلب، طوّر علماء في جامعة طوكيو تقنية مبتكرة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لمراقبة سلوك الصفائح الدموية داخل مجرى الدم بشكل حي ومباشر.
إقرأ أيضا:
يُمكن لهذه التقنية أن تُحدث تحولًا جذريًا في تشخيص أمراض القلب والوقاية من الجلطات الدموية القاتلة.
أعلن الفريق البحثي، بقيادة الدكتور كازوتوشي هيروسي، عن ابتكار أداة فريدة تجمع بين ميكروسكوب فائق السرعة وقدرات تحليلية متقدمة للذكاء الاصطناعي.
تستطيع هذه الأداة التقاط آلاف الصور لخلايا الدم أثناء تدفقها في مجرى الدم، ثم تحليل هذه الصور بذكاء لتحديد نمط حركة الصفائح الدموية وتجمعاتها بدقة غير مسبوقة.
آلية عمل التقنية الجديدة: كاميرا فائقة السرعة بعين الذكاء الاصطناعي:
يشرح الباحثون آلية عمل الميكروسكوب المتطور بتشبيهه بكاميرا عالية السرعة تراقب حركة المرور بدقة متناهية، ولكنها هنا ترصد حركة الصفائح الدموية داخل الأوعية الدموية تمامًا.
ويقدمون توضيحًا مبسطًا لهذا المفهوم:
* صفيحة دموية واحدة = سيارة تسير على الطريق
* تجمع الصفائح الدموية = ازدحام مروري خانق
* مرور خلية دم بيضاء = سيارة شرطة تشق طريقها وسط الزحام
وأوضح البروفيسور كيسوكي غودا من قسم الكيمياء بجامعة طوكيو أن هذه التقنية الثورية تمنح الأطباء القدرة على “رؤية الصفائح الدموية وهي تتفاعل وتلتصق ببعضها البعض بشكل مباشر وفي الوقت الفعلي”، مما يوفر فهمًا أعمق وأكثر دقة لحالة المريض الفيزيولوجية.
نتائج واعدة لتجارب شملت أكثر من 200 مريض:
أظهرت التجارب الأولية التي أجراها الباحثون على عينة تضم أكثر من 200 مريض نتائج مبشرة للغاية.
فقد وجدوا أن المرضى الذين يعانون من أمراض قلبية حادة أظهروا نشاطًا أعلى بشكل ملحوظ في تجمع الصفائح الدموية، وهو مؤشر حيوي ينذر بخطورة حالتهم الصحية.
الأكثر إثارة للدهشة هو أن تحليل عينة دم بسيطة تم سحبها من وريد في الذراع أظهر نتائج قريبة جدًا من نتائج تحليل الدم المسحوب مباشرة من شرايين القلب.
هذه النتيجة الهامة تفتح الباب واسعًا أمام إمكانية الاستغناء عن الإجراءات التدخلية التقليدية الأكثر تعقيدًا وتكلفة.
وداعًا للقسطرة المؤلمة؟ مستقبل واعد لتشخيص القلب:
عادةً ما يعتمد الأطباء على تقنيات تدخلية مثل القسطرة القلبية لتقييم حالة الشرايين وتحديد مدى وجود تضيقات أو انسدادات.
لكن الأداة الجديدة التي طورها علماء جامعة طوكيو قد تُحدث تحولًا جذريًا في هذا المجال، إذ يمكن من خلال فحص دم بسيط وسريع تقييم خطر تجلط الدم أو حتى فعالية الأدوية المميعة للدم التي يتناولها المريض.
التقنية في مراحل التطوير.. ومستقبل واعد ينتظر:
على الرغم من النتائج الأولية المبشرة، يؤكد الدكتور هارفي كاسترو، طبيب الطوارئ وخبير الذكاء الاصطناعي، أن الجهاز لا يزال في مراحل البحث والتطوير ويحتاج إلى مزيد من التحسين من حيث الحجم والتكلفة ليصبح متاحًا على نطاق واسع في المستشفيات والمراكز الطبية.
ويرى الدكتور كاسترو مستقبلًا مشرقًا لهذه التقنية، قائلًا: “في المستقبل القريب، قد نتمكن من تعديل جرعات أدوية السيولة أو حتى الأوكسجين التي يتلقاها المريض بشكل فوري ودقيق، بناءً على تحليل حي ومباشر لدمه باستخدام هذه الأداة المبتكرة.”
يؤمن الباحثون بشدة بأن هذه التقنية الرائدة تمهد الطريق لعصر جديد من العلاجات الدقيقة والمخصصة لكل مريض على حدة، بعيدًا عن التقديرات العامة التي تعتمد على متوسطات الحالات.
وفي هذا السياق، يختتم البروفيسور غودا حديثه قائلًا: “باستخدام هذه التقنية، يمكننا الآن أن نعرف بدقة ما إذا كانت أدوية تمييع الدم فعالة لكل مريض على حدة، بدلاً من الاعتماد على التخمين أو المؤشرات العامة.”
إنها خطوة هائلة نحو مستقبل أكثر دقة وفعالية في علاج أمراض القلب والوقاية من مضاعفاتها الخطيرة.
