
في تقرير تحليلي خطير، حذرت صحيفة وول ستريت جورنال من أن الاقتصاد الأمريكي بات على أعتاب الدخول في مرحلة تُعرف اقتصاديًا بـ”الهيمنة المالية” – وهي الحالة التي يُسخّر فيها البنك المركزي لخدمة أولويات الإنفاق الحكومي، بدلاً من التركيز على أهدافه التقليدية مثل ضبط التضخم والنمو المستدام.
إقرأ أيضا:
وتُعد هذه الحالة من السمات المرتبطة عادة بالدول النامية غير المستقرة، مثل الأرجنتين، لا بالولايات المتحدة التي لطالما مثلت نموذجًا للثبات المالي.
ترامب يُهدد استقلالية الفدرالي
أعادت تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إثارة الجدل مجددًا، بعد أن طالب جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفدرالي، بخفض أسعار الفائدة أو التنحي من منصبه، معلنًا عزمه تعيين رئيس “مطواع” للفدرالي يدعم سياساته المالية.
وقال ترامب بوضوح في مقابلة عبر “فوكس نيوز”:
“نحن بصدد وضع شخص في الفدرالي سيكون قادراً على خفض أسعار الفائدة”.
هذه التصريحات، وفقًا للصحيفة، تمثل تحولًا جوهريًا في فلسفة السياسة النقدية، من التحكم بالتضخم والنمو، إلى دعم الإنفاق والعجز المالي الهائل عبر خفض الفائدة.
العجز المالي يرتفع.. وأدوات تمويل محفوفة بالمخاطر
أشار التقرير إلى أن تشريعات الإنفاق الضخمة، التي سُميت بـ”القانون الكبير الجميل”، سترفع العجز الأمريكي من 1.8 تريليون دولار في 2024 إلى 3.3 تريليونات خلال عقد، أي ما يعادل 7.9% من الناتج المحلي.
وتخطط الإدارة لتقليل إصدار السندات طويلة الأجل، والاعتماد على أذون الخزانة قصيرة الأجل لتقليل تكلفة الاقتراض، لكن هذه السياسة خطرة للغاية، إذ قد تؤدي أي قفزة مفاجئة في الفائدة قصيرة الأجل إلى كارثة مالية فورية بسبب تضخم تكلفة خدمة الدين.
الأسواق تتجاهل الخطر.. مؤقتًا
رغم خطورة المؤشرات، أغلقت عوائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات عند 4.35%، مقارنة بـ4.55% في مايو الماضي، مما يعكس ارتياحًا مؤقتًا لدى الأسواق، مدفوعًا بتوقعات تعيين رئيس “صديق لترامب” في الفدرالي.
تقرير “غولدمان ساكس” أشار إلى أن الرئيس الجديد للبنك المركزي قد لا يقلق بشأن العجز المالي، ما قد يؤدي إلى استمرار معدلات الفائدة المنخفضة، رغم آثارها التضخمية على المدى الطويل.
لكن وول ستريت جورنال حذرت من أن نتائج “الهيمنة المالية” لا تظهر فورًا، بل تتراكم حتى تتفجر في شكل أزمة ديون أو تضخم جامح.
دروس من التاريخ: الفدرالي تحت الضغط
استعرض التقرير مراحل تاريخية خضع فيها البنك المركزي لتدخل سياسي، مثل:
تأسيس بنك إنجلترا عام 1694 كمموّل للحكومة.
خضوع الفدرالي الأمريكي لضغوط خلال الحربين العالميتين لتثبيت الفائدة.
أزمة الستينات عندما امتنع الفدرالي عن رفع الفائدة، ما ساهم في انفجار التضخم لاحقًا.
ومع أن الفدرالي حافظ على استقلاليته حتى خلال أزمة 2008، فإن الوضع الحالي يبدو أكثر هشاشة بسبب التدخل السياسي المباشر.
أزمة مؤجلة.. لا ملغاة
بحسب “غولدمان ساكس”، فإن الولايات المتحدة قد تضطر إلى إجراءات تقشفية ضخمة خلال عقد، تشمل تقليص الإنفاق أو رفع الضرائب بنسبة 5.5% من الناتج المحلي سنويًا – وهو ما يفوق حتى تقشف أوروبا بعد أزمة 2010.
ويحذر التقرير من أن استمرار هذا المسار قد يؤدي إلى انفجار اقتصادي مفاجئ، يُطيح بثقة الأسواق ويهدد مكانة الدولار.
خاتمة التقرير: التاريخ لا يرحم
أنهت الصحيفة تقريرها برسالة تحذيرية:
“الهيمنة المالية لا تظهر آثارها فورًا، لكن التاريخ يُظهر أن الثمن يُدفع لاحقًا، وبفائدة مركبة.”