
في إنجاز علمي غير مسبوق، نجح فريق من الباحثين في جامعة إدنبرة البريطانية في استخدام أجزاء حية من دماغ بشري لدراسة الآثار المبكرة لمرض الزهايمر بدقة متناهية. هذه الخطوة الرائدة قد تمهد الطريق لتطوير طرق جديدة لتشخيص المرض قبل ظهور أي أعراض سريرية واضحة، مما يفتح نافذة أمل جديدة لملايين المرضى حول العالم.
إقرأ أيضا:
يُعد مرض الزهايمر أكثر أشكال الخرف شيوعًا، حيث يؤثر على حياة ما يزيد عن 55 مليون شخص على مستوى العالم. وعلى الرغم من الجهود البحثية المكثفة على مدى عقود، لم يتم التوصل حتى الآن إلى علاج شافٍ لهذا المرض المدمر الذي يفتك بالذاكرة والقدرات المعرفية تدريجيًا.
التركيز على البروتينات المدمرة: أميلويد بيتا وتاو
ركزت الدراسة الحديثة بشكل خاص على بروتينين رئيسيين يُعتقد أنهما يلعبان دورًا محوريًا في عملية تدمير الخلايا العصبية في مرض الزهايمر: بروتين “أميلويد بيتا” وبروتين “تاو”. وقد أظهرت النتائج الهامة التي توصل إليها الباحثون أن حتى التغيرات الطفيفة في شكل أو تركيز بروتين “أميلويد بيتا” يمكن أن تتسبب في خلل كبير في وظائف الدماغ السليمة، خاصة عندما يكون هذا البروتين في شكله السام والضار.
وخلال التجربة المبتكرة، قام الباحثون بتعريض شرائح دقيقة من أنسجة دماغية بشرية حية – تم الحصول عليها بموافقة دقيقة من المرضى أثناء خضوعهم لعمليات جراحية في الدماغ لأسباب أخرى – إلى أشكال مختلفة من بروتين “أميلويد بيتا”. وقد لوحظ أنه بينما لم يُظهر الشكل الطبيعي للبروتين أي تأثير ضار على الأنسجة العصبية، تسبب الشكل السام من البروتين في تلف عصبي دائم لم تتمكن الأنسجة الدماغية من إصلاحه، وذلك وفقًا لما نشره موقع “إنتريستنغ إنجينيرينغ” المتخصص في العلوم والتكنولوجيا.
تقنية متقدمة لرصد التغيرات العصبية في الوقت الفعلي
باستخدام تقنية مختبرية متقدمة وفريدة من نوعها، تمكن الفريق البحثي من إبقاء أنسجة الدماغ البشري حية وفعالة في المختبر لعدة أسابيع متواصلة. وقد أتاحت لهم هذه التقنية غير المسبوقة مراقبة التغيرات العصبية التي تحدث في الأنسجة في الوقت الفعلي، وهي خطوة لم تكن ممكنة باستخدام نماذج التجارب الحيوانية التقليدية التي كانت تستخدم في السابق لدراسة هذا المرض المعقد.
ومن المثير للاهتمام أن بعض العينات الدماغية التي تم فحصها أظهرت بالفعل وجود لويحات الأميلويد وتشابكات بروتين تاو – وهما العلامتان المرضيتان المميزتان لمرض الزهايمر – على الرغم من أن المتبرعين بهذه الأنسجة لم يُظهروا أية أعراض سريرية واضحة للمرض خلال حياتهم. وهذا الاكتشاف يسلط الضوء بشكل كبير على أهمية إمكانية الكشف المبكر عن المرض في مراحله الأولية جدًا، قبل ظهور الأعراض التي تؤثر على حياة المرضى وقدراتهم المعرفية.
خطوة واعدة نحو تطوير علاجات فعالة للزهايمر
عبرت الدكتورة كلير دورانت، قائدة الفريق البحثي وزميلة برنامج دايسون التابع لمؤسسة RAD، عن تفاؤلها بشأن هذه النتائج الهامة، حيث صرحت بأن هذا النموذج التجريبي الفريد باستخدام أنسجة دماغية حية “يمنحنا فرصة غير مسبوقة للإجابة على أسئلة جوهرية ومعقدة حول مرض الزهايمر وآلياته المرضية”. وأكدت أن هذه الأداة البحثية القوية يمكن أن تسرع بشكل كبير عملية نقل النتائج المخبرية الواعدة إلى أرض الواقع وتُقرب العالم خطوة نحو مستقبل خالٍ من معاناة مرض الخرف.
ويأمل الفريق البحثي أن تساهم هذه النتائج والاكتشافات الجديدة في تطوير أدوية وعلاجات مبتكرة تستهدف حماية المشابك العصبية، التي تُعد بمثابة خطوط الاتصال الحيوية بين خلايا الدماغ. فالضرر الذي يلحق بهذه المشابك وتآكلها يرتبط بشكل مباشر بتدهور الذاكرة والقدرات المعرفية الذي يميز مرض الزهايمر.