
في ظل الارتفاع الملحوظ في تشخيص حالات اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD) بين الأطفال في السنوات الأخيرة، يثير خبير بارز في مجال البصريات تحذيرًا هامًا. يشير الدكتور برايس أبلباوم، أخصائي البصريات المعتمد، إلى أن العديد من الأطفال الذين يتم تشخيصهم بـ ADHD قد لا يعانون فعليًا من هذا الاضطراب السلوكي، بل قد تكون لديهم مشكلة خفية في الرؤية الوظيفية، وهي حالة غالبًا ما يتم تجاهلها في فحوصات العين التقليدية.
إقرأ أيضا:
وفي تصريحات حصرية لصحيفة “نيويورك بوست”، أوضح الدكتور أبلباوم أن هناك تداخلًا كبيرًا بين بعض أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه وأعراض مشاكل الرؤية الوظيفية، وهو نوع من اضطرابات البصر لا يتم اكتشافه بشكل روتيني خلال فحوصات العين القياسية.
ما هي الرؤية الوظيفية وكيف تؤثر على انتباه الطفل؟
يشرح الدكتور أبلباوم أن الرؤية الوظيفية تشير إلى قدرة العينين على العمل بتناغم وتنسيق عالٍ لتنفيذ مهام بصرية معقدة تتطلب تركيزًا وتتبعًا دقيقًا، مثل متابعة الكلمات أثناء القراءة، أو التركيز على هدف متحرك، أو التبديل السريع بين الأشياء القريبة والبعيدة.
ويضيف: “العضلات الدقيقة المسؤولة عن وضوح الرؤية والحفاظ على التركيز قد تواجه صعوبة في البقاء نشطة ومرنة لفترات طويلة، وهو ما يظهر في مشاكل مثل قصور التقارب (Convergence Insufficiency)، حيث تجد العينان صعوبة في التوجه للداخل والتركيز على الأشياء القريبة مثل الشاشات الرقمية والكتب المدرسية”. ويتابع: “إذا لم نتمكن من التحكم بشكل فعال في حركة أعيننا وتنسيقهما، فمن المنطقي أن نجد صعوبة في التحكم في انتباهنا وتركيزنا”.
ووفقًا للدكتور أبلباوم، فإن الأطفال الذين يعانون من قصور التقارب هم أكثر عرضة بثلاث مرات لتشخيصهم بشكل خاطئ باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD)، وذلك لأن اختبارات النظر التقليدية غالبًا ما تفشل في التقاط هذه المشكلة الوظيفية في الرؤية، حيث تركز بشكل أساسي على قياس حدة البصر (مدى وضوح الرؤية) وتقييم صحة العين الهيكلية.
فحص النظر التقليدي وحده لا يكفي لتشخيص مشاكل الرؤية الوظيفية
يؤكد الدكتور أبلباوم على أن “الفحص البصري الوظيفي الشامل” يمثل خطوة متقدمة تتجاوز مجرد تقييم القدرة على الرؤية بوضوح. هذا النوع من الفحوصات الدقيقة يقيّم العلاقة المعقدة بين العين والدماغ، بما في ذلك قدرة الطفل على إبقاء العينين متزامنتين في الاتجاه والتركيز لفترة طويلة من الزمن، وهي مهارة بصرية حاسمة للتعلم والانتباه.
ويوضح: “في حال وجود أي خلل أو ضعف في هذا التنسيق الحيوي بين العينين، قد يظهر على الطفل سلوكيات توحي بعدم القدرة على الانتباه أو صعوبة في فهم التعليمات وتتبعها. ولكن في الحقيقة، قد يكون الطفل ببساطة يواجه صعوبة بصرية حقيقية تمنعه من استقبال ومعالجة المعلومات البصرية بوضوح وفعالية”.
تأثيرات مشاكل الرؤية الوظيفية تمتد إلى ما هو أبعد من الفصل الدراسي
يشير الدكتور أبلباوم إلى أن المشاكل البصرية الوظيفية غير المشخصة لا تؤثر فقط على الأداء الأكاديمي للطفل وقدرته على التعلم، بل تمتد تأثيراتها السلبية لتشمل تطور المهارات الحركية والتفاعلات الاجتماعية الهامة. ويقول: “قد يواجه الطفل صعوبات ملحوظة في القراءة والكتابة، أو في المشاركة في الألعاب الرياضية والأنشطة البدنية التي تتطلب تتبعًا بصريًا دقيقًا، أو حتى في التفاعل الاجتماعي بشكل طبيعي، وذلك لأن دماغه يستقبل باستمرار معلومات بصرية مشوشة وغير واضحة من عينيه، مما يؤثر على قدرته على معالجة هذه المعلومات والاستجابة لها بشكل مناسب”.
ما هو الحل وكيف يمكن مساعدة الأطفال؟
على الرغم من الأهمية القصوى لصحة النظر في النمو والتطور السليم للطفل، تشير التقديرات إلى أن طفلين من كل ثلاثة أطفال يدخلون المدرسة دون الخضوع لفحص بصري شامل ومناسب. ويشدد الدكتور أبلباوم على الضرورة الملحة لإجراء فحص بصري وظيفي شامل لجميع الأطفال قبل دخولهم إلى مرحلة الروضة أو الصف الأول الابتدائي، وذلك لضمان جاهزيتهم البصرية الكاملة لعملية التعلم واكتساب المعرفة.
وفي حال تم تشخيص وجود اضطرابات في الرؤية الوظيفية لدى الطفل، فإن العلاج غالبًا ما يكون فعالًا وقابلاً للتطبيق من خلال برنامج متخصص يسمى “تدريب الرؤية” (Vision Therapy)، والذي يمكن تشبيهه بالعلاج الطبيعي للعينين والدماغ. ويوضح الدكتور أبلباوم: “من خلال تدريب الرؤية، يمكن للطفل أن يتعلم تدريجيًا كيفية التحكم في وظائف رؤيته وتحسين التنسيق بين عينيه، مما يسمح له بتحسين قدرته على الانتباه والتركيز دون الحاجة المستمرة إلى الاعتماد على الأدوية المستخدمة في علاج اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه”.
ويختتم الدكتور أبلباوم حديثه قائلًا: “عندما تبدأ العينان في العمل بفعالية وتناغم، يتمكن العقل من التركيز بشكل أفضل وأكثر استدامة… وهذا هو بالضبط ما يحدث الفارق الحقيقي في حياة هؤلاء الأطفال وقدرتهم على التعلم والتفاعل مع العالم من حولهم”.