يُعتبر عبد الله العلي النعيم أحد الشخصيات البارزة التي تركت بصمة مميزة في تاريخ السعودية، حيث عاش حياة مليئة بالمحطات الفريدة والإنجازات البارزة على مدار أكثر من تسعين عامًا. رحل النعيم عن عالمنا يوم الأحد، تاركًا خلفه إرثًا من الإسهامات والنجاحات التي ارتكزت على مهاراته الاستثنائية، بعيدًا عن الاعتماد على الشهادات التقليدية.
إقرأ أيضا
طفولة مبكرة ونبوغ في التعلم
ولد النعيم في مدينة عنيزة بمنطقة القصيم عام 1930، وترعرع في بيئة تقليدية حيث التحق بالكتاتيب وحلقات المساجد للتعلم قبل انتشار المدارس النظامية. أظهر منذ صغره نبوغًا لافتًا، حيث يحكى أنه تفوق في مسابقة نظّمها العالم عبد الرحمن السعدي في مدرسته لحفظ نص فقهي، وحصل على جائزة كبيرة بمبلغ 100 ريال، وهو رقم يُعتبر ثروة آنذاك.
رحلة البحث عن الذات والعمل
بدأ النعيم حياته العملية بعد مغادرته عنيزة متوجهًا إلى مكة المكرمة بحثًا عن الرزق، لكن ظروف العمل قادته إلى المنطقة الشرقية، حيث التحق بمشاريع شركة أرامكو من خلال العمل في مشروع خط التابلاين. بعد ثلاث سنوات من العمل المثمر، عاد إلى مسقط رأسه ليعمل معلّمًا، ومن ثم مراقبًا في المعهد العلمي. سرعان ما قادته مهاراته الإدارية إلى جدة ليعمل وكيلاً للثانوية النموذجية، قبل أن يُعيَّن مديرًا لمعهد المعلمين في الرياض، ثم مديرًا للتعليم في نجد.
قيادة بلا شهادات
رغم عدم حصوله على أي شهادة ابتدائية أو ثانوية في بداية مسيرته، استطاع النعيم أن يُثبت كفاءته من خلال مهاراته الذاتية وقراءاته الواسعة وكتاباته الصحافية. لاحقًا، التحق بالمعهد العلمي السعودي وجامعة الملك سعود ليحصل على شهادته الجامعية، ما أتاح له العمل كأمين عام مساعد في الجامعة.
إدارة أزمة الغاز: حلٌّ عبقري في ظروف استثنائية
أحد أبرز محطاته العملية كانت إدارته لشركة الغاز والتصنيع الأهلية عام 1947 خلال أزمة الغاز الشهيرة في السعودية. بفضل قراراته الحكيمة، تمكن من حل الأزمة بشكل مبتكر من خلال التنسيق مع وزارة الدفاع لتخصيص سيارات الجيش لشحن أسطوانات الغاز من المنطقة الشرقية إلى مختلف أنحاء المملكة. كما قاد عملية تطوير بنية الشركة وتحسين خدماتها.
أمين الرياض: بصمة في التخطيط العمراني
عُيّن النعيم أمينًا لمدينة الرياض خلال بدايات الطفرة التنموية، حيث قاد جهودًا جبارة لتطوير العاصمة. من بين أبرز إنجازاته:
- إنشاء 10 بلديات فرعية لتسهيل حصول المواطنين على الخدمات البلدية.
- المكتب التنسيقي للمرافق، الذي ساهم في تسريع إيصال الكهرباء والمياه والهاتف للمنازل والمنشآت.
- طرح مشاريع لإنشاء طرق سريعة داخل وخارج العاصمة بالتعاون مع وزارة المواصلات.
- دعم فكرة إنشاء مراكز اجتماعية، من أبرزها مركز الملك سلمان الاجتماعي.
خاتمة مشوار استثنائي
رحيل عبد الله العلي النعيم يمثل نهاية فصل من العطاء الوطني المميز، حيث ظل على مدار حياته مثالاً للإرادة والطموح، وتمكن من تجاوز القيود التقليدية ليحقق نجاحات استثنائية في مجالات متعددة، تاركًا إرثًا ملهمًا للأجيال القادمة.